ضوءٌ تأخَّرَ عن نافذتي

شعر

قاسم محمد كوفحي

قُلتُ: انفصِلْ
 وكان في فمي شوكُ الغرورِ يُسرِّحُ الكلماتِ
 يزيّنها كنجمةٍ في حانةِ العُمْيِ،
 كنتُ أظنُّ الضوءَ افتراضيًّا
 يصفِّقُ لي — يكسِرُني —
 يُعلّقُني على أهدابِ غيمٍ
 ثمّ يهوي بي في قاعِ الصدى.

مضيتُ،
 أُسقِطُ ظلِّي على الطرقاتِ
 كمن يجرُّ روحهُ في غُربةِ ذاتهِ،
 أنشدُني — أطردُ مَنْ قَدِمِ
 كأنَّ القلبَ بئرٌ حُفِرَ في ظَهْرِ الريحِ
 لا يفيضُ إلّا نبرةً مريرةً
 لا تعرفُ ندمًا ولا توبةً.

قُلتُ: انفصلنا
 وشهدتِ السماءُ لهجتي —
 كالموجِ حين يكسِرُ صخرةَ العُمرِ
 ولا يُلقي السلامَ على ما تَبَقَّى.
 كنتَ احتراقَ صبري،
 لكنّي لفظتُكَ من دمي
 قطعْتُ خيطَ الشوقِ بجهلٍ
 ووهِمتُ أني سأقومُ مستقيمةً
 إن أسقطتُكَ من مدارِ القلبِ.

لكنّني صحوتُ —
 صحوتُ على وَقْعِ ندمٍ
 يفتحُ صدري كجرحٍ،
 يوقظُ بقايا العمرِ المنهدمِ.

يا أنتَ — يا مَنْ
 هبطتَ على صمتي
 كغيمةٍ في أرضٍ قاحلةٍ —
 ذبلتْ أحلامي كأوراقٍ
 يأكلُها القلمُ ولا يُنقِذُها الحبرُ.
 كنتَ تفرشُ جفافَ روحي بندى صوتِكَ،
 تقطِّرُ الضوءَ في قلبي الموحشِ،
 ترسلُ ظلكَ في المساءِ
 يُحدّثُ ليلي عن دفءِ الاعتذارِ،
 لكنَّ قلبكَ كان بعيدًا —
 كانَ مُقيمًا في جهةٍ أخرى
 تقولُ: نعم.

أخبرتني الرّيحُ
 أنّ امرأةً تُهديكَ دفءَ الصبحِ،
 قهوتَها، وَعْدَها، صوتَها الذي يسمو بضحكتِكَ
 كالغناءِ الطاهرِ
 يفتحُ لكَ الحلمَ الذي أغلقهُ الألمُ في دمي.

آهٍ على كفّي —
 كفٍّ رَفَضَتْكَ حينَ كنتَ وعدًا
 حينَ كنتَ نورًا في الظُّلماتِ.
 ما زلتُ أسمعُ صوتكَ
 يحملُني كطفلٍ إلى حديقةٍ من دفءِ راحتيكَ،
 تلك اليدُ التي كانتْ
 تُغنّي في دمي وحُلمي.

أخطأتُ —
 لكنَّ الخطأَ لا يُرمّمُ الزمنَ،
 لا يُعيدُ السلالمَ إلى الطفولةِ،
 لا يفتحُ بابًا أُغلقَ بالوهمِ.
 أنتَ الضوءُ الذي تأخّرْتُ عن لمسِهِ،
 الذي جئتُهُ بعدَ الغيابِ
 فوجدتُ في عينيكَ مَنْ أضاءَكَ من جديدٍ.

واليومَ أمشي —
 ظلٌّ يُحاذي أقدامَ مَنْ لا يرى،
 ظلٌّ يتعثّرُ في لحنٍ لا يحترمُ
 ما في الداخلِ من بقايا انتظاري.

في داخلي صوتٌ
 يردّدُ: لو أنّ صبرَكَ ما انصرمَ،
 لو أنّ صمتَكَ نطقَ قبلَ أن ينطفئَ الصدى.
 لكنَّ الحنينَ
 يمزّقُ الورقَ القديمَ،
 والرّدى يُداهمُني على طرفِ القلمِ،
 يهمسُ: هل كنتِ أنثى
 لم تُداري قلبَ من أعطى؟
 أم كنتِ وجعًا
 لم يَرَهُ أحدٌ
 إلّا في خفقةِ الندمِ؟

ها قد وجدتَ النورَ —
 في وجهٍ يُشابهُ طُهرَ أيّامي،
 وجهٍ يُعيدُ إليكَ ما سُرِقَ منكَ من حلمٍ،
 وأنا لستُ سوى سحابةِ أمسٍ
 ذابتْ على كتفِ الألمِ —
 وظلَّتْ تُمطِرُ
 حينَ غابَ الغيمُ.

أربد – الأردن 12-03-1984

Post Views: 12